روساريو- بين قبلة الموت وألم الحب في ميديين

لا يحتاج القارئ إلى وقت طويل ليتبين سبب إشادة غابرييل غارسيا ماركيز بالكاتب خورخي فرانكو، قائلاً: "إنه من الكتّاب الكولومبيين الذين أودّ أن أعهد إليهم بميراثي الأدبي".
رواية "روساريو"، التي صدرت حديثًا عن داري ممدوح عدوان وسرد في 180 صفحة، وتُرجمت بقلم مارك جمال، تنطلق من نقطة التأجج، من قمة الإثارة والتشويق، وتظل هناك متمسكة بخيط سردي دقيق ومحكم في آن واحد:
"توشحت روساريو برصاصة مباشرة من فوهة مسدس التصقت بجسدها في لحظة قبلة، فامتزج لديها عذاب الحب بمرارة الموت."
لم تكن هذه العبارة مجرد افتتاحية آسرة، بل كانت تلخيصًا دقيقًا لحال روساريو، الفتاة التي ظلت تتأرجح بين هذين الشعورين المتناقضين. تستقبل أحدهما تارة، وترتد به على من حولها تارة أخرى. وكانت أيضًا تكثيفًا للرواية بأكملها، حيث استطاع الكاتب أن يعبر عن أعمق المعاني بأقل عدد ممكن من الكلمات. بل يبدو الأمر وكأنه كتبها وهو مسترخٍ يدخن سيجاره، ناظرًا من الأعلى إلى ميديين، المدينة الكولومبية سيئة السمعة بعصابات المخدرات والجريمة، والتي شكلت مسرحًا لأحداث الرواية. لكننا ندرك تمامًا أن وراء كل كتابة سلسة وعذبة عبقرية فذة، أو جهد ذهني ونفسي مضن.
يتوارى الراوي خلف ضمير المتكلم، ومن خلال عينيه نرى الفتاة والمدينة، ولكن ببراعة فائقة، دون إصدار أحكام قاطعة! يظل كل شيء معلقًا على الاحتمالات، غامضًا وقابلاً للتغيير. فما إن يوشك القارئ على الإمساك بالوجه الملائكي لروساريو، حتى تطغى عليها طبيعتها الشيطانية، وما إن يتعاطف مع ميديين التي تحتضن المحتاجين بكرم زائد، حتى ينفر من قسوتها. يبدو الأمر وكأننا أمام نص مرن، يتشكل وفقًا لتصورات القارئ، وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل القراء يتعلقون بالأعمال الأدبية على نحو عاطفي، سواء أدركوا السبب أم لا.
صحيح أن روساريو كانت محور القصة من خلال رؤية الراوي، إلا أن بقية الشخصيات ظهرت بالقدر الكافي لترك بصمة واضحة. لقد صاغ خورخي فرانكو ملامحهم بعناية فائقة، بحيث بدوا أصيلين بغض النظر عن أهمية الدور الذي يؤدونه. إميليو على سبيل المثال، الذي لا يكف عن التعبير عن دهشته من قدرته على الاقتراب من الفتاة دون أن يمتلكها، في لمسة فكاهية أضفت على النص بعض المرح، وخففت من حدة المشاعر المتدفقة التي يعبر عنها الراوي طوال الرحلة. الراوي الذي لا يظهر اسمه إلا في الصفحات الأخيرة، يشارك روساريو البطولة، وهو يتأرجح بين الشك واليقين حول قدرته على الفوز بها، وتتجلى مأساته في كل الكلمات التي لم ينطق بها:
"لقد أُعجبنا جميعًا بروساريو، لكن إميليو كان الوحيد الذي امتلك الجرأة الكافية، ولا بد من الاعتراف بأن الأمر لم يكن مجرد صدفة، فالارتباط بروساريو كان يتطلب شجاعة أيضًا. غير أن الشجاعة لم تكن لتفيدني بشيء، حتى لو تحليت بها، فقد وصلت متأخرًا".
زرع الكاتب بذور التشويق ورعاها بعناية طوال النص، من خلال حالة "الترقب لما سيحدث"، بدءًا من انتظار الراوي في ممرات المستشفى حتى يطمئنه الطبيب، مرورًا بانتظار أن تلتفت إليه روساريو المتقلبة العاطفة بين الرفض والقبول، وليس انتهاءً بانتظار نهاية كل شيء بغض النظر عن شكلها، طالما أنها تعني تجاوز ما يحدث، خاصة وأن الجميع ينظرون إلى نفس الاتجاه، دون أن يروا الشيء نفسه. كانت كل هذه الحالات وشيكة الحدوث، تلوح في الأفق دائمًا، ولذا يتسلل قلقها إلى القارئ ويستحوذ عليه. وهذا دليل آخر على براعة خورخي فرانكو في حبك خيوط القصة بمهارة واقتدار.
هناك عامل آخر ساهم في تماسك السرد وتجنب الترهل، وهو تلك الخفة التي أظهرها الروائي في تقديم خلفيات الشخصيات والأحداث. لم يتوقف السرد من أجل استعراض تاريخ المدينة، أو دوافع روساريو المتجذرة في ماضيها البعيد. بل أصبحت كل هذه العناصر نسيجًا واحدًا متناغمًا. يبدو أن خورخي فرانكو لم يعرض إلا الضروري جدًا من تلك الخلفيات التأسيسية، أو أنه استطاع أن يجعلها، مثل الحاضر، في قلب الحكاية النابضة، من خلال استخدام تقنية المسارين المتوازيين.
وأخيرًا، لا بد من الإشادة بمارك جمال الذي نجح في الحفاظ على روح النص ورهافته من خلال ترجمة تعكس جمال الرواية. ولا يمكنني إلا أن أتخيل كيف كان سيبدو الوضع لو لم تكن الترجمة بهذا المستوى الرفيع. بالتأكيد كان ذلك سينتقص من المتعة التي خبأها لنا خورخي فرانكو.